فصل: قال سيد قطب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أخذوا يفحصون أوعيتهم قبل وعاء أخيه، ثم استخرجوها من وعاء أخيه، كذلك كان تدبير الله تعالى ليأخذ أخاه بعد طول افتراق.
ولقد كانت لفتة من عداوة أبناء العلات التي تظهر في القول لا تزال متمكنة في قلوبهم {قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون}.
ندموا وتذكروا موثق أبيهم، وذكرهم به كبيرهم، وقال: {فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادفون}.
قالوا لأبيهم ذلك، ولكنه أحس بأمر، رشح له ما كان بالنسبة ليوسف من قبل، فقال مثل مقالته الأولى: {بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل} وبإلهام النبوة توقع الخير في وسط هذه الشدة، وقال: {عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم وتولى عنهم وقال يا أسفى علئ يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إئه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}.
ذهبوا إلى يوسف طالبين الميرة مرة أخرى، و{قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)}.
اللقاء على المودة والعفو أعلن يوسف الصديق نفسه لإخوته فقال لهم: {هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُواْ أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُواْ تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91)}، قال كلمة العفو الودود: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا}، ذهبوا إلى الشيخ الذي ابيضت عيناه من الحزن، فأحس بريح يوسف، وقالوا: إنه أحس من بعد ثمانين ميلا، ولا غرابة في ذلك فهو أبو الأنبياء، {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ (94) قَالُواْ تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ (95) فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (96) قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)} وبهذا تنتهى قصة يوسف الصديق الحبيب؟ أخذ من بين أهله، وألقى في الجب، وانتهى ملكا مصلحا، ونبيا مبشرا ونذيرا، وكان له أثر في مصر، ذكر بعده بقرون عندما بعث موسى، فقد قال تعالى على لسان مؤمن آل فرعون: {ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به} التقى الأحباب {ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا} أي خضعوا لحكمه كما تخضع الرعية لراعيها العادل، لا أنهم سجدوا له كما كان يسجد للفراعنة، فمعاذ الله أن يكون نبى الله يعقوب ساجدا لغير الله، ومعاذ الله أن يقبل ذلك يوسف نبى الله من أبيه.
أخذ يذكر يوسف أباه برؤياه الأولى، ويذكر له كيف أخرح من السجن بعد أن نزغ الشيطان بينه وبين إخوته ولم يبق إلا أن يحمد الله على ما أوتى من نعمة، ويقول: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)}.
العبرة:
كانت القصة كلها من الأخبار الغيبية على العرب، وقد كان فيها أخبار عن ناس لم يكن من شأنها أن تكون معلمة، معلنة، إذ هي أخبار أسرة، {وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون}.
فتلك أخبار النفوس لا يعلمها إلا علام الغيوب، وتلك معجزة الذي كفروا به.
وإن الكون كله آيات بينات دالة على منشئه الواحد الأحد الفرد الصمد، وإذا كانوا يؤمنون بالله تعالى، فهو إيمان بالقدرة، ووحدانية الخالق المنعم، ولكنهم يعبدون غيره، وهذا قوله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}.
وإنهم يرون آيات الله تعالى تنزل بالمشركين، {أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون}.
وإن الحق ما تدعو إليه، {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}.
ولقد بين سبحانه وتعالى أنه لبم يكن بدعا من الرسل، وأن الرسل قبله كانوا مثله، {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا توحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون}.
ويبين للنبى صلى الله عليه وسلم أن الرسل كانوا يستيئسون، وفى حالى يأسهم يجئ عذاب الله للمشركين {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين}.
الرسل جميعا اعتراهم اليأس إلا محمدا صلى الله عليه وسلم، وذلك فضله عليهم أجمعين، بل قال وهو في أشد ما نزل به وقد فقد الناصر والمواسى: «إنى لأرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله»، ولقد ختم السورة بقوله تعالت كلماته: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}. صدق الله العظيم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

سورة يوسف:
الاسم الوحيد لهذه السورة اسم سورة يوسف، فقد ذكر ابن حجر في كتاب الإصابة في ترجمة رافع بن مالك الزرقي عن ابن إسحاق أن أبا رافع بن مالك أول من قدم المدينة بسورة يوسف، يعني بعد أن بايع النبي صلى الله عليه وسلم يوم العقبة.
ووجه تسميتها ظاهر لأنها قصت قصة يوسف عليه السلام كلها، ولم تذكر قصته في غيرها.
ولم يذكر اسمه في غيرها إلا في سورة الأنعام وغافر.
وفي هذا الاسم تميز لها من بين السور المفتتحة بحروف ألر، كما ذكرناه في سورة يونس.
وهي مكية على القول الذي لا ينبغي الالتفات إلى غيره.
وقد قيل: إن الآيات الثلاث من أولها مدنية.
قال في الإتقان: وهو واه لا يلتفت إليه. نزلت بعد سورة هود، وقبل سورة الحجر. وهي السورة الثالثة والخمسون في ترتيب نزول السور على قول الجمهور. ولم تذكر قصة نبي في القرآن بمثل ما ذكرت قصة يوسف عليه السلام هذه السورة من الإطناب. وعدد آيها مائة وإحدى عشرة آية باتفاق أصحاب العدد في الأمصار.

.من مقاصد هذه السورة:

روى الواحدي والطبري يزيد أحدهما على الآخر عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: أنزل القرآن فتلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه زمانا، فقالوا أي المسلمون بمكة: يا رسول الله لو قصصت علينا، فأنزل الله: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [سورة يوسف: 1، 2] الآيات الثلاث.
فأهم أغراضها: بيان قصة يوسف عليه السلام مع إخوته، وما لقيه في حياته، وما في ذلك من العبر من نواح مختلفة. وفيها إثبات أن بعض المرائي قد يكون إنباء بأمر مغيب، وذلك من أصول النبوءات وهو من أصول الحكمة المشرقية كما سيأتي عند قوله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} [سورة يوسف: 4] الآيات. وأن تعبير الرؤيا علم يهبه الله لمن يشاء من صالحي عباده. وتحاسد القرابة بينهم. ولطف الله بمن يصطفيه من عباده. والعبرة بحسن العواقب، والوفاء، والأمانة، والصدق، والتوبة.
وسكنى إسرائيل وبنيه بأرض مصر وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم بما لقيه يعقوب ويوسف عليهما السلام من آلهم من الأذى. وقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم من آله أشد ما لقيه من بعداء كفار قومه، مثل عمه أبي لهب، والنضر بن الحارث، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وإن كان هذا قد أسلم بعد وحسن إسلامه، فإن وقع أذى الأقارب في النفوس أشد من وقع أذى البعداء، كما قال طرفة:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ** على المرء من وقع الحسام المهند

قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [سورة يوسف: 7].
وفيها العبرة بصبر الأنبياء مثل يعقوب ويوسف عليهم السلام على البلوى.
وكيف تكون لهم العاقبة.
وفيها العبرة بهجرة قوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى البلد الذي حل به كما فعل يعقوب-عليه السلام- وآله، وذلك إيماء إلى أن قريشا ينتقلون إلى المدينة مهاجرين تبعا لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيها من عبر تاريخ الأمم والحضارة القديمة وقوانينها ونظام حكوماتها وعقوباتها وتجارتها.
واسترقاق الصبي اللقيط.
واسترقاق السارق، وأحوال المساجين.
ومراقبة المكاييل.
وإن في هذه السورة أسلوبا خاصا من أساليب إعجاز القرآن وهو الإعجاز في أسلوب القصص الذي كان خاصة أهل مكة يعجبون مما يتلقونه منه من بين أقاصيص العجم والروم، فقد كان النضر بن الحارث وغيره يفتنون قريشا بأن ما يقوله القرآن في شأن الأمم هو أساطير الأولين اكتتبها محمد صلى الله عليه وسلم.
وكان النضر يتردد على الحيرة فتعلم أحاديث رستم واسفنديار من أبطال فارس، فكان يحدث قريشا بذلك ويقول لهم: أنا والله أحسن حديثا من محمد فهلم أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم بأخبار الفرس، فكان ما بعضها من التطويل على عادة أهل الأخبار من الفرس يموه به عليهم بأنه أشبع للسامع، فجاءت هذه السورة على أسلوب استيعاب القصة تحديا لهم بالمعارضة.
على أنها مع ذلك قد طوت كثيرا من القصة من كل ما ليس له كبير أثر في العبرة.
ولذلك ترى في خلال السورة: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} [سورة يوسف: 56] مرتين: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} [سورة يوسف: 76] فتلك عبر من أجزاء القصة.
وما تخلل ذلك من الحكمة في أقوال الصالحين كقوله: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [سورة يوسف: 67]، وقوله: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة يوسف: 90]. اهـ.

.قال سيد قطب:

سورة يوسف:
{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)}
فهناك حبكة بين التقدمة للقصة والتعقيب عليها؛ ظاهر منها نزول التقدمة مع القصة والتعقيب.
أما الآية السابعة فالسياق لا يستقيم بدونها أصلا؛ ولا يتأتى أن تكون السورة قد نزلت في مكة وهي ليست من سياقها ثم أضيفت إليها في المدينة! ذلك أن في الآية الثامنة ضميرا يعود على يوسف وإخوته في هذه الآية السابعة، بحيث لا يستقيم نزول الآية الثامنة دون أن تكون معها الآية السابقة. وهذا نصها: {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلي أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين} مما يقطع بأن الآيتين نزلتا معا، في سياق السورة الموصول.